مراحل انتشار الإسلام في إسبانيا المعاصرة
ألقيت هذه المحاضرة في جامعة ديوستو
الكاتب: عبد المؤمن آية - مصدر: ويب اسلام
صورة للجيل الاول من معتنقي الإسلام الأسبان
إذا ما طلب مني تحديد المراحل الأساسية للتاريخ الحديث للإسلام في إسبانيا، فسوف أختصرها في ثلاث مراحل كما يلي:
من 1975 إلى 1998، مرحلة الحمل: بدأت تظهر أولى حالات اعتناق الإسلام بعد وفاة فرانكو. وبعد مقتل سابورا أوريبي، رئيسة تحرير موقع ويب إسلام، والتي تعد التاريخ الرمزي لنهاية هذه المرحلة.
وقد تنبأ أعداء الإسلام آنذاك بأن موقع ويب إسلام، الذي يسجل حاليا 12 مليون زيارة شهريا، قد يكون الأداة التي يمكن أن ينتشر بها الإسلام في أمريكا اللاتينية بسهولة.
من 1998 إلى 2001 أو مرحلة النقاش الداخلي الجاد: إنها مرحلة الاتفاقات والاختلافات والصدامات. تقلصت خلالها دائرة نفوذ التشيع، فيما عانت الوهابية.
وبدأت الصوفية، من جانبها، تفرض نفسها باعتبارها واقعا غير مقيد بالإسلام، لأنها كانت حتى ذلك الحين جوهر الإسلام الجديد، وتحظى بقبول المسيحية العالمية، والاستعراب التقدمي وحركة العصر الجديد. وفي موازاة ذلك، بدء الإسلام الأندلسي يلجأ إلى هجر الخطاب الصوفي ليجد لغته الخاصة في محاولة منه "لنزع الطابع المسيحي عن الإسلام".
وانتهت مرحلة النقاش الداخلي مع أحداث 11 سبتمبر/أيلول واستبدال الشيوعية بالإسلام في لعب دور العدو اللدود لبعض المصالح التوسعية الغربية.
من 11 سبتمبر/أيلول 2001: دخل تاريخ البشرية مرحلة جديدة، واضطر معها المسلمون الأسبان لتغيير موقفهم.
مرحلة إظهار الإسلام: بدأ المجتمع الإسباني يطالب، للمرة الأولى، بتوضيحات حقيقية حول الإسلام، وعيا منه بأن المعرفة الحقيقية هي الكفيل الوحيد لتجنب تكرار حدوث بعض الكوارث. ولم يعد بمقدور المستعربين التحيز والسخرية من الإسلام الذي كان مصدر عيشهم عندما يتم استشارتهم في محاولة لكشف خيوط الحوار مع المسلمين. وبدء المجتمع ترك الاستعراب التاريخي الذي كان يتميز به الآخر، لأن معرفة الدوافع الحقيقية باتت مسألة أمن دولي. ولا يمنع كل ذلك من تفاقم ظاهرة كراهية الإسلام بشكل كبير لتبرير سياسة شاملة لنهب الموارد الطاقية للدول الإسلامية.
الأجيال السبعة
تعاقبت سبعة أجيال من معتنقي الإسلام في إسبانيا حتى الآن. كان الجيل الأول من معتنقي الإسلام الأسبان من الرومانسين، والطوباويين، والواهمين، والحالمين، والبلداء. كانوا لا يعرفون شيئا عن الإسلام، ولكنهم استشعروا فيه صيغة للتحرر أكثر فعالية من تلك التي اختبروها. كانوا رجالا ونساء ينتمون إلى الثقافة المضادة، أي اليمين المتطرف، واليوغا، والمهلوسين، وغيرها. لقد ارتكبوا كل الحماقات التي يمكن تصورها، بالرغم من أن نيتهم كانت خالصة في الغالب (وأستثني حالات لا حصر لها لأولئك الذين كانوا يطمحون إلى تحقيق الربح أو السلطة). لقد وضعوا أسس الإسلام على طريقتهم. وارتد الكثيرون منهم مع مرور الوقت، ولم يثبت منهم إلا القليلون الذين ظلوا منذ ذلك الحين الركائز الصلبة لمجتمعنا التي لا يمكن لأي شيء ولا أحد أن يزعزعها. ونحن ورثة هؤلاء الذين نجحوا والذين لم ينجحوا، نشعر بالامتنان لهم. وسوف يكون الإسلام الأندلسي في المستقبل مثل الناجين من هؤلاء الرواد: منفتحا، ومرنا، وعفويا واستثنائيا.
وكان الجيل الثاني من مسلمي إسبانيا "رجالا متزنين". كانوا لا يتحدثون العربية ولا يعرفون الكثير عن الإسلام، ولكنهم خلاف الجيل الأول كانوا ذوي بديهة. لقد دافعوا عن المنطق السليم بين الجماعات القليلة التي شكلها الرواد الذين استمروا فيما بعد. وكانوا يحتجون غالبا بمقولة: "إذا كان غريبا، فإنه ليس إسلاما". لأن الإسلام لا بد وأن يكون أمرا عاديا. لقد لعبوا دورا حاسما في نشر الإسلام في إسبانيا، وحاولوا بشتى الوسائل التفريق بين "الأسلمة" و"التعريب". وكانوا يؤكدون دائما: "إن اعتناق الإسلام لا يعني أن تصبح مغربيا". وقد تمحور النضال اللاهوتي لهذا الجيل حول القضايا التي تبدو تافهة مثل استخدام اللباس الغربي أو ورق الحمام. وباختصار: كانوا متزنين وذوي بداهة.
وجاء الجيل الثالث من المسلمين الذين حاولوا التنصل من سلطة الجيلين السابقين، ولكنهم لم يمتلكوا اتزان ورجاحة الجيل الثاني. كانوا "رجال العربية"، هؤلاء الذين حالفهم الحظ أو سوء الحظ في الدراسة لبضع سنوات في الدول الإسلامية. حاولوا تجربة "تكييف الإسلام مع الواقع الإسباني" ونجحوا في ذلك لوقت قصير. كانوا أئمة حاولوا قيادة الجمعيات الإسلامية وأشعروا بالملل أولئك الذين حاولوا الاقتراب من الإسلام إلى حين احتلالهم لأماكنهم الطبيعية كمترجمين متواضعين. ولنفس الأسباب التي نجحوا بفضلها في التأقلم عندما كانوا طلابا مبتعثين في دول مثل السعودية وإيران والكويت، لم يستطيعوا حشد الإسبان إلى صفهم لا لشيء سوى لأن الدم لا يجري في عروقهم. وكانت ترجماتهم مفيدة، على الرغم من أن خطابها كان تنصيريا، ووضعوا في يد كل واحد منا أولى المواد المترجمة إلى الإسبانية.
ولم يكن الجيل الرابع مزدوج اللغة فقط مثلما هو الحال مع "رجال العربية" بل كانوا يعرفون كيف يفسرون الإسلام بقوة وجمالية، إسلام تفهمه العقلية الغربية. أعطوا مضمونا لحدس "الرجال المتزنين" الأعمى، لذلك أسميهم "رجال المعرفة". لم يكتبوا ويترجموا عن الإسلام فقط، بل تحدثوا عنه. ولو لم يضعوا "رجال العربية" في مكانهم، لكان الإسلام الذي انتشر في إسبانيا إسلاما يفتقد إلى العبقرية، ذو طابع مسيحي، ويفتقر إلى خطاب يتماشى مع الواقع اللاتيني.
وجاء الجيل الخامس من المسلمين الإسبان للتخفيف من العقلانية المفرطة "لرجال المعرفة". واستهلك النضال الفكري الذي كان على مسلمي الجيل الرابع الدخول فيه مجمل قواهم وفشلوا في جعله جزء من رحلتهم الروحية. وربما كان ذلك هو السبب في احتلال "رجال ونساء النور" مكانهم لأنهم اعتنقوا الإسلام بقلوب بيضاء غير مصدومة. ولم يكن العارفون والعارفات الجدد بالإسلام بمقدورهم تصور مدى المجهود الذي بذلته الأجيال السابقة فيما يخص كل التفاصيل العادية التي يتمتعون بها. وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول أصبحوا غير مرئيين افتراضيا ولم يكن حتى بمقدور المسلمين أنفسهم معرفتهم أو معرفة ما إذا كانوا مسلمين أو مؤمنين من نوع آخر.
وقبل أن تكتمل الدائرة جاء المنافقون. فعندما كان كل شيء قد تم، والشهداء الذين قدموا حياتهم قد فرغوا من إسقاط باب الحصن، جاء المنافقون، كما حصل في المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
لقد ولدوا مثل انتهازيين لا مفر منهم في تلك المنطقة المفتوحة التي لم نكن نعرف كيفية إدارتها أو كيفية "بيعها" للعامة. لم يكونوا سذجا، ولا مثل أولئك الذين كانوا يعتنقون الإسلام بحثا عن عائدات النفط، بل أشخاصا يعرفون كيفية إدارة الموارد، سواء تلك التي كانت متوافرة أو تلك التي ستأتي في المستقبل. لقد ارتكبوا خطأ حينما فكروا أن تجارتهم قد تزدهر بغض النظر عما قد تعتقده الأمة بشأنهم.
ويضم الجيل السابع والأخير المسلمين الذين ولدوا في دول غالبيتها إسلامية ولكن أعيدت تربيتهم إسلاميا في الغرب. لقد قدموا من بلدانهم للدراسة في الجامعات، مثل مفكرين أحرار تسحرهم أخلاق بلا إله على طريقة ألبير كامو، فوجدوا هنا الإمكانات الهائلة للإسلام الذي تعرفوا عليه في طفولتهم وبصيغة جديدة تماما. وكانو جميعهم تقريبا يتسمون بالصبر والتواضع من أجل التعلم على يد شيخ أو شيخة يكون لهم نفس الشخصية: لديهم عقدة الأنانية لأنهم يبالغون في تقييم دورهم التاريخي، ويجهلون الكثير عن الإسلام ولكنهم قادرون على دعوة وبناء مجتمعات إنسانية.